في ظل تطور العملية التعليمية والتربوية تبرز نظرية التعلم السلوكي كإحدى المدارس الفكرية المحورية، التي تعتقد في فعالية التعلم من خلال التفاعل مع البيئة المحيطة، وذلك من خلال التحفيز الدائم سواء بالترهيب أو الترغيب مما يؤدي بدوره لتغيير السلوك المعني، ومن خلال التركيز على كيفية تأثيرها يمكن للمعلمين الاستفادة لتطوير استراتيجيات تقوية السلوكيات الإيجابية وتقليل السلبية، مما يعود في نهاية المطاف على النهوض بالتعليم، وهو ما سوف نناقشه بالتفصيل خلال هذا المقال.
ما هي نظرية التعلم السلوكي؟
تعتبر النظرية السلوكية واحدة من النظريات الفلسفية التي تحظى بشهرة واسعة في عالم التنظيم السلوكي والتربوي للإنسان بوجه عام، فتعد المدخل لفهم كيف يمكن تحفيز المتعلمين وتقديم العون لهم، ومن خلالها يتم تطبيق نظام العقاب والثواب لتعزيز السلوك الإيجابي وإنهاء السلوك السلبي، وفيها يتم استخدام التعزيز والتحفيز بالثوابت أو العقاب بشكل متكرر للحث على سلوك معين ونبذ الأخر.
من مؤسس وصاحب النظرية المعرفية السلوكية؟
تأسست نظرية التعلم السلوكي على يد العالم الأمريكي جون برودوس واطسون الذي ولد عام ١٨٢٧ ليعيش حياة حافلة بالغوص في السلوك البشري ليموت في عام ١٩٥٨، وحصل واطسون على شهادته الجامعية من جامعة شيكاغو وتم تعيينه بها كمساعد لعلم النفس التجريبي إلى أن أصبح أستاذا بنفس الجامعة، وتأسست تلك النظرية ما بين عامي ١٩١٢و١٩١٣.
كما قام واطسون لأول مرة بنشر نظريته في مقال عنوانه علم النفس كما يراه السلوكيون وذلك لينتقد فيه مبادئ المدرسة البنيوية التي تعتمد على التفكير الداخلي، والذي يصعب معه معرفة ما يدور داخل العقل البشري بل ويستحيل معرفة ما يشعر به الناس إلا من خلال سلوك مرئي يمكن أن نلاحظه والتعويل عليه.
مبادئ النظرية السلوكية
ولا شك أن نظرية التعلم السلوكي تعتمد على عدد من المبادئ العلمية التي نذكرها بالتالي:
التحفيز والتعزيز
ويطلق عليه الثواب لأنه يعمل على تقوية النتائج المرجوة من خلاله وهو نوعان التعزيز الإيجابي؛ وهو حدث تم نتيجة استجابة لسلوك معين وتؤدي هذه الاستجابة لتكرار الحدث مثال جاوب أحد الطلاب على سؤال معلمه فمدحه المعلم وشكره فتولدت الرغبة لدى الطالب للإجابة على الأسئلة.
أما عن التعزيز السلبي فيتعلق بالمواقف التي تعززه، فإذا كان موقف مؤلم أو منفر معاقبة لكي لا يزداد.
التعلم بالتقليد
عادة ما يبدأ الطفل في تقليد من هم أكبر منه سنا وهو ما يعتمد عليه هذا المبدأ حيث يكتسب الأفراد سلوكهم من خلال النماذج المحيطة بهم في البيئة التي تربوا فيها، وفي نظرية السلوكية يمكن تغيير السلوك عبر إعداد نماذج للسلوك الجيد المراد الاحتذاء به على أشرطة كاسيت أو فيديوهات هادفة لسير علماء أو أشخاص مؤثرين والحكماء والعلماء والصحابة باعتبارهم قدوة حسنة.
ومن خلال هذه النماذج يتم تقليد ومحاكاة السلوك المرغوب في تكراره كسلوك إيجابي.
التشكيل
وهي عملية يتم فيها تعلم سلوك مركب وفيها يتم تعزيز سلوك وتجنب آخر، وتتم تلك العملية عبر استخدام عدة منها:
- أولا: الانطفاء؛ ويحدث فيه أن يتوقف السلوك المرغوب في توقفه أو انهاؤه عبر التجاهل التام له وعدم الإنتباه إليه أو وضع صعوبات تمنع من اكتساب هذا السلوك، مثال طالب يقوم لاستفزاز زملاؤه باستخدام كلمات نابية أو غير محترمة فيتم تجاهله تماما فيؤدي ذلك في النهاية أن ينتهي عن هذا السلوك.
- ثانيا التعميم؛ ويحدث عندما يتم تدعيم سلوك ما يتكرر هذا السلوك في أماكن أخرى ومع أشخاص آخرين، ومثال على ذلك سلوك طفل معين مع أسرته قد يعممه مع ضيوف الأسرة مثلا.
- ثالثا التميز؛ ويتم عن طريق التعزيز والمدح استجابة معينة صحيحة لشيء ما، مثال على ذلك الابتعاد عن مفاتيح الكهرباء أو إبعاد اليد عن النار وهكذا.
التحصين التدريجي
والمبدأ الرابع والأخير يطلق عليه التخلص من الحساسية تجاه موضوع ما كأن أحدهم يشعر بالخوف من شيء ما مرتبط بحادث معين فيتم تدريب الشخص على الاعتياد المنتظم للتخفيف من وطأته، وفيه يتم تعريض الشخص لأشياء تثير خوفه شيئا فشيئاً ببطء وبشكل منتظم حتى يعتاد الشخص على شعور الاطمئنان، حتى عندما يبلغ تعرضه للتخويف ذروته تكون استجابته لهذا الخوف قليل ويستخدم هذا النمط مع الحالات المرضية والسيطرة على الخوف.
العناصر الأساسية التي تقوم عليها النظرية السلوكية
وبطبيعة الحال تقوم نظرية التعلم السلوكي على عدة عناصر وهي:
- أولا السلوك؛ حيث يعتبر السلوك الإنساني طبقا لنظرية التعلم السلوكي شيء يمكن اكتسابه أو تعلمه سواء إيجابي أو سلبي فمن الممكن أن يكتسب الطالب سلوك إيجابي أو تعديل سلوك سلبي لديه.
- ثانيا الدافعية؛ وهي إيجاد الدافع للطالب لعمل السلوك الجيد والإيجابي والدافعية هي المسؤولة عن تحرير طاقته ليتعلم.
- ثالثا المثيرات والاستجابات؛ وهو الشيء الذي يحدث وينتج عنه السلوك فكل سلوك هو رد فعل أو استجابة لمثير تعرض له.
- رابعا التحفيز والاستمرارية؛ فتقوم على المدح وتعزيز السلوك والتحفيز عليه يقوي السلوك الإيجابي ويؤدي إلى استمرارية تطبيقه فيما بعد.
أهداف وتطبيقات استراتيجيات النظرية السلوكية
تكمن أهداف نظرية التعلم السلوكي التي خرج بها جون واطسون في عدة عناصر لتدعيم دراسة وتحليل السلوك البشري بشكل أوضح، حيث توضح أهميتها وأهدافها في تفاعل الإنسان مع بيئته المحيطة مع الكائنات الحية الأخرى، مع الاعتبار بما مر به الفرد نفسه.
كذلك تساعد على تغيير السلوكيات التي يتخذها البشر على المدى الزمني القريب أو البعيد لأن السلوك طبقا لها شيء يمكن تعلمه واكتسابه، وعليه تشغل النظرية مكانة مهمة بين النظريات التربوية الأخرى نظرا لأنها تعتمد على قوانين يمكن من خلالها تغيير السلوك الإنساني لأنه بفضلها يستطيع التفكير بطريقة مختلفة.
ايجابيات وسلبيات النظرية السلوكية
تتميز نظرية التعلم السلوكي بعدة مميزات منها:
- أنها أكثر شمولا من النظريات السابقة لها، حيث تهدف لتحديد ما يُود تغييره من سلوك ووضع الخطة اللازمة لعلاجه.
- كذلك توضح هذه النظرية الهدف من العلاج وتعمل على اختيار الاسلوب المناسب لفعل ذلك.
- العلاج طبقا لهذه النظرية يأخذ وقت أقل، مما تأخذه نظريات التحليل النفسي.
أما عن السلبيات
- تركز النظرية السلوكية التعليمية على البيئة المحيطة للإنسان وتأثيرها المطلق على سلوكه، دون اعتبار إرادته الحرة وقدرته على التعامل مع محيطه.
- تقوم النظرية بإلغاء دور الإنسان في صنع قراره وتلغي أيضا ضميره في فعل السلوك السلبي أو إنكاره.
أهمية نظرية التعلم السلوكي
والجدير بالذكر أن هناك عدة طرق يمكن الاستفادة منها عند تطبيق النظرية السلوكية منها:
- يمكن استخدام النظرية في عدة مجالات وأكثرها أهمية المجال التربوي.
- كما يمكن ويمكن استخدامها في المجال العلاجي لتحفيز المرضى على اكتساب سلوكيات صحية.
- بالاضافة أنه يمكن استخدامها في المجال الإرشادي وتقديم العون للأفراد الذين يعانون من مواجهة صعوبات التعلم.
تعرف ايضا على:
- أسلوب التعلم بالنمذجة
- استراتيجيات تدوين الملاحظات
- استراتيجية جدول التعلم
- استراتيجية المتشابهات في تدريس العلوم
الخاتمة:
وفي النهاية لا يسعنا سوى القول أن نظرية التعلم السلوكي قد تساهم بشكل كبير في تعديل السلوك البشري لسلوكيات أكثر إيجابية لكنها أيضا يمكن استخدام تقنياتها لاكتساب سلوك سيء أو السيطرة على مجموعات بعينها، فالإنسان بطبعه مخلوق يستطيع التكيف والتعلم مما حوله وممن حوله فيجب استخدام مثل تلك النظريات لاكتساب الجيد من السلوك وليس العكس.